ورأيتُها تِلكَ الفتاة التّاجرة
من خلف أضواءٍ وخُمْرٍ ساترة
كانت تحدِّقُ والجُموحُ يسودُها
ويقودُها صمتُ الرُّفوفِ الشّاغرة
لا يستحقُّ جمالُها أن ينتمي
للسُّوق فالغزلانُ تقفز طائرة
ويْحِيْ أليست عينُها مثْلُ المها
كَحلاءُ ترميني سِهاماً آسِرة
أخشى على نفسي إذا ناديتها
أن تختلي بشؤون نفسي الضامرة
تاهت قراراتي ءأمضي سائراً
أمْ أستبين فضولَ ساقي الحائرة
ما بينَ تبْطيئٍ وعينٍ تلتقي
عَرْضَ الشّراء بعينِ تلكَ الناظرة
هَتَفَتْ بصوتٍ ناعمٍ مُتَربّصٍ
يا مَرحباً عندي الأماني حاضرة
سل ما تشاءُ عن القلوبِ أو الهوى
فالبيعُ عندي مِهنةٌ ومغامَرَة
إنّي أُتاجر في زُهورِ العاشقين
أزيدها خَضْراً فَتبدو ناضِرَة
لا أرْتَضِيْ لزهورِ حُبِّ زَبائِني
أرضاً فأرضُ النّاسِ جُدْبٌ قافِرَة
لا تَنْبُتُ الأزْهارُ فوقَ رُؤوسهم
بلْ تحتَ أرجُلِهم وتِلْكَ مُخاطَرَة
زَهْري لهُ كِيْزانُ وُرْدٍ مُذْهَبٍ
وتُرابُهُ مِنْ جُوْدِ ريْحٍ عافِرَة
فالزَّهرُ أصْلٌ والجُذورُ فُروعُها
والنَّبْتُ في ماءِ الحِيَاضِ الفاتِرَة
لوْ حَلَّ نَحلٌ في زُهورِ حِيَاضِنَا
مِنْ هًوْلِ حُسْنِ رَحيْقِهَا ما غَادَرَه
قطْفُ الزّهورِ لديَّ لا يَغْتالٌها
لا تنتهي تلكَ الحياةُ العامِرة
بلْ مثلَ شَرنقَةٍ تموتُ لِتفْتدي
عنها الفَراشةَ في حياةٍ آخِرة
فالزّهرُ إن مات ارْتضى لِمماته
وهْبَ الحياةِ إلى قُلوبٍ صابرة
أطْلَقْتُ سمعي مِنْ عُذوبَةِ وَصْفِها
فاهِيْ وعَينيْ في ذُهولٍ ثاغِرَة
فأشَحْتُ عينيْ من مَهيْبِ جَمالِها
وَجَذَبْتُ أَطْرافَ الحديْثِ العابِرَة
فَعجبْتُ أنَّ الحُسْنَ يشْمَلُ حالَها
خَلْقاً وإلْقاءاً بدونِ مُكابَرة
هيَ تَعْتَني بالزَّهْرِ ليسَ لِبيْعِه
لكنْ لِيُهْدى والسَّعادةُ غامِرَة
هِيَ تَعْتَني والزَّهْرُ مالَ وشدَّني
ألوانُ وَرْدٍ في مَناظِرَ ساحرة
فسألتُها أيُّ الزُّهورِ أهَمُّها
وأحَبُّهَا حتَّى تُصَنَّفَ نادِرة
قالَتْ هِيَ الْجُوْريُّ يَا لَجمالِها
في الشَّكْلِ أَوْ في الْعِبْقِ تَبْدُو فَاخِرَة
اِبْتَعْتُ بالمالِ الزّهورَ وَوَصْفَها
قُلْتُ اصنَعيْ لِيْ بَاقَةً ياماهِرَة
ثُمَّ اسطُرِيْ اِسْمِيْ وزيدي هاتفي
وإذا شذَبتِ الشّوكَ كُوني حاذرة
قالت فمَنْ تِلْكَ الّتي أهْدَيتَها
أو مَا اسْمُهَا حتّى أدوّنَ خاطِرَة
قلتُ وقد غادَرْتُ دونَ زُهُورِهَا
أُهديكِ زَهْرَ مودّتي يا تاجِرَة